نستفتح هذا المقال بتحية “فتى الكهول”، كما اشتهر بها المهندس عبد الرحيم – فك الله أسره وأعاده إلينا سالمًا – الذي ترك في كثير منا آثارًا حميدة، وعلمنا من فضل الله مما علمه سبحانه. وكواجب علينا تجاهه وتجاه من لم يستقِ منه، أعددتُ هذا المقال لتجميع وتلخيص إحدى أهم المحاضرات التي ألقاها المهندس أيمن، والتي كان لها أثر بالغ في نفوس الكثيرين، إذ ساعدت في التعلم ومهّدت الطريق نحو سبل سليمة لاكتساب المعرفة.
سيكون المقال شاملًا لأغلب ما طرحه المهندس أيمن في محاضراته الثلاث، بأسلوب أقرب إلى التلخيص والتقريب، ومع ذلك، فإن طول المقال أمرٌ لا مفرّ منه.
رابط السلسلة المعنيّة:
دورة كيف أتعلم؟ ماذا أتعلم؟ | م.أيمن عبد الرحيم
الفهرست
- مُمهدة
مُمهدة: تحديات الأجيال المختلفة.
في كل جيل تحديات تختلف عن الأجيال السابقة، حيث يحمل كل جيل تحديات من سبقوه بالإضافة إلى تحديات جديدة. ولذلك، يواصل كل جيل طرح الأسئلة السابقة وأسئلة جديدة.
ومن تحديات هذا الجيل المعاصر شيوع المعلومات واتاحتها بشكل لم يسبق له مثيل، حيث أصبح توفر المصادر ميزة هذا العصر وأحد تحدياته في آن واحد. فمن آثار هذا التوفر شدة اللبس الحاصل في التفريق بين الثقافة والعلم. كما أن من آثاره صعوبة البناء والتجديد في بنية العلم بسبب الفيضان المعلوماتي والحاجة إلى استيعاب كم كبير من المعلومات. وكذلك من الآثار تفشي ظاهرة الجدل المعرفي السطحي بسبب كثرة الاختلاط بين القدرة على امتلاك أكبر قدر من المعلومات وبين القدرة على اكتساب أكبر قدر من المعرفة.
وفي وسط هذه التحديات والظواهر، يظهر سؤال يلح على هذا الجيل الصاعد: في وسط هذا السيل المعلوماتي والرقمي، ماذا عليَّ تحديدًا أن أتعلم وأتخصص؟
ويبقى السؤال الأصعب: ماذا لو لم أعرف ماذا أريد أن أتعلم؟ فكيف أعرف؟ وماذا أفعل إلى أن يحين الوقت لأعرف؟
وتتضمن هذه المقالة محاولة مستفيضة للإجابة على هذه الأسئلة، كما دل عليها المهندس أيمن في محاضراته، مع إعادة صياغة شاملة وجهدي في عرضها -أرجو أن يكون موفقًا في ذلك-.
وقبل محاولة الإجابة على هذه الأسئلة، علينا طرح بعض النقاط في تصور منظور أكثر شمولية: تأثير القيم الحضارية على العلوم.
كل حضارة بشرية تمتلك قيمة مركزية.
حسنا، دعنا نبدأ في الاجابة على سؤال: ماذا أتعلم وأتخصص؟
أولًا: تحديد الهدف والإطار العام
وكما ذكرنا، علينا تحديد الإطار الذي يصب فيه العلم الذي تتعلمه (الغاية الأساسية)، وهل يتشارك مع الإطار العالمي أم لا، حتى تتفرغ تاليًا لمعرفة ما هو المتاح أمامك؟ والمقصود بالمتاح هنا هو قدراتك الحالية ومواهبك واستعداداتك النفسية والمادية.
ثانيًا: ما الغاية الأساسية من العلم؟
اكتشاف أكبر قدر من العلوم والمعارف عن طريق القراءة والاطلاع في كتب الكتب أو فهرس الفهارس، وهي كتب تُساعد على التعرف على مجالات وتخصصات العلوم المتاحة.
احالة: كتاب دليل القارئ إلى الثقافة الجادة
وهذه موسوعة تطلقها إصدارات الولايات المتحدة من حين لآخر، وترجمتها الهيئة العامة المصرية للكتاب. يمكنك من خلالها الاطلاع الأفقي على العلوم وفروعها، وأهم الكتب في كل علم، وأبرز العلماء المؤثرين. وميزة الموسوعة أنها مفهرسة بالكامل.
احالات أخرى: سلسة كتب: أقدم لك و سلسلة: مقدمة قصيرة جداً
العلم هو أسئلة بني أدم عبر العصور سواء المُجاب عنها أم لا
م. ايمن عبدالرحيم
ثالثا: كيف يتناسب مع الإطار الشخصي والعالمي؟
وبعد الاطلاع العام على العلوم ومعرفة علوم ربما لم تكن تعلم بوجودها يأتي دور الدراسة الافقية للعلوم ولنا في هذه الخطوة وقفة.
- الهدف من هذه الخطوة ليس الحصيلة العلمية الوافرة، بل إن صح القول، تجربة تعلم العلم على أرض الواقع عن طريق الاستفادة من أسسه في أقل وقت ممكن عن طريق تكثيفه. بتعبير آخر، هي محاولة واقعية للإلمام بكم كبير من العلوم قبل الخوض في الدراسة المتعمقة. وكما يقول المثل المصري الشهير: “خد فكرة واشتري بكرا”.
- منحنى التعلم ليس منحى خطيّ بالعموم حيث أكبر قفزة تحدث في عميلة التعلم خلال العشرين ساعة الأولى و يٌفضل في هذه الساعات تكثيف التعلم ليحتوي الموضوعات العشر للعلم.
- تكثيف العلم أو تعلم المهارة خلال عشرين ساعة يمكن أن يكون عن طريق كتاب أو محاضرة مع التفضيل للكتب حيث تتواجد الكثير من الكتب المتخصصة في مسالة “تكثيف العلم” مثال: كتاب: ماجستير إدارة الأعمال في يوم واحد.
- ويمكن الاستفادة بالتلخصيات والكتيبات الذي تُصمم لِغرض تكثيف علم ما أو تعلم مهارة معينة مثل موقع Quick study guide و spark char
- والجدير بالذكر التحذير من ظاهرة التشغيب أو الرطانة العلمية، وهي الادعائية والظهور وكأنك من أهل هذا العلم وأنت لست منهم. حيث يجب مراعاة القدر المُتعلّم من النطاق الأفقي، والذي لا يعطي أي اكتمال واضح لأي من الموضوعات الشمولية للعلم. فلا ضير في الحديث عن العلوم والمعارف التي تعلمتها مع الآخرين من باب التحدث بنعمة الله ونشر العلم، لكن دون أي انتساب أو ادعاء أكبر من قدر تحصيلك. فكما روي عن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: “رحم الله امرءًا عرف قدره”.
رابعًا: استكشاف المجالات المتاحة
بعد فترة من الدراسة لعدد من العلوم، قد يصادفك شعور بأنك وجدت ما تبحث عنه في بعض العلوم، ووجدت نفسك محبًا لها وفي تعلمها. وفي هذه النقطة، عندما تحصل على بعض العلوم التي وجدت فيها حبًا ولكنك محتار في أيهم أنسب لك من ناحية استعدادك وقدراتك، وهل تمتلك المَلكات العلمية أم لا، هنا قد تفيد الاختبارات النفسية واختبارات القدرات في تفضيل بعض العلوم عن أخرى: أيهم عليك دراسته أو أيهم عليك دراسته أولاً منهم -في حالة كان لديك المقدرة على الدراسة العميقة لأكثر من علم-.
والجدير بالذكر إدراك أنه ليس بالضرورة أن أي علم تستطيع إجادته ودراسته بكفاءة يعني أنك تحبه. فالبعض قد يجيد دراسة الطب ويحصل على علامات عالية ولا يحبه، ويجد حبه في مجال آخر. لذا، عليك الانتباه والتفرقة بين ما يمكنك إجادته فقط وبين ما تحبه وتجيده.
خامسًا: البدء في الدراسة الفعلية
بعد التعرف على العلم المرغوب دراسته ومعرفة كافة التفاصيل حياله، ماذا تبقى؟ ببساطة دراسته وهنا يأتي دور موقع Opensyllabus.org حيث يتوفر في هذا الموقع المناهج العلمية لاغلب التخصصات في أكثر جامعات العالم المرموقة مع إمكانية المقارنة المناهج العلمية بين الجامعات في المجال الواحد.
القسم الثاني: ماذا قبل أن أبدا في التعلم؟
كل ما سبق قوله قد يأخذ منك شهورًا أو سنوات، وهذا طبيعي، فعملية الاستكشاف عملية تحتاج إلى جهد وصبر. ولكن خلال هذه الأشهر والسنوات، ماذا يجب أن أفعل إلى أن يحين وقت معرفة مرادي العلمي؟ هل أكتفي بالاستكشاف والاطلاع فقط كما ذكرنا؟
تعلم مهارات أساسية تعزز التعلم:
في الحقيقة، أنسب ما يمكن فعله هو تعلم مهارات تُحسن من تعلم أي علم، وهذا ما سوف نسميه بالمهارات الأساسية (مثل التفكير بكفاءة، الكتابة والقراءة بكفاءة، تذكر المعلومات عند الحاجة، التلخيص، الكتابة العلمية، المهارات الإدارية واللغوية، …). وسنذكر أهمها تاليًا:
صاحب الفن الواحد يجهل الكثير في فنه، فعامة مسائل الفن مدسوسة في غير مظانها.
ابن حزم الأندلسي
المهارات اللغوية (تعلم اللغات)
يمكن القول أن اللغة ما هي إلا عبارة عن ذراع للعقل. فبقدر قدرتك على الأداء اللغوي بدقة، بقدر التقاطك للمعاني الدقيقة في العلوم. وبقدر إتقانك للغتك الأم، بقدر إتقانك للغات الأجنبية. فنرى الكثيرون حولنا ممن يتباهون بمستواهم في اللغة الإنجليزية ويستخدمونها في حياتهم اليومية، في حين لا يحسنون أدنى قدر من لغتهم العربية. وهم على الحقيقة في هذا الحال ليسوا متقنين الإنجليزية بدرجة عميقة تمكنهم من التقاط المعاني الدقيقة، ولا يمكنهم من التفكير الإبداعي باللغة الإنجليزية.
والجدير ذكره أن اللغة العربية بالنسبة لنا كمسلمين لا تمثل مجرد لغة نشأنا في بلدان لغتهم الأصلية العربية فحسب، بل هي لغة الوحي، واللغة التي اختارها الله لحمل آخر رسالة ونذير للعالمين. فلا يكتمل إيمان المرء إلا بعربية حسنة.
ولا يقتصر تأثير اللغة على إدراك المعاني الدقيقة في العلوم، بل هنالك ترابط بينها وبين العلوم، كمثل الدارس للرياضيات والمواد اللغوية كالنحو والصرف. فكما أن الرياضيات انبثقت من المنطق، سيجد أن الكثير من البناء النحوي بناء منطقي أو تمت صياغته منطقيًا.
وأيضًا، زيادة المعرفة العامة في اللغة التي تدرس بها العلم يزيد من قدرتك على تحصيلها. فإذا كان مجال دراستك أحد العلوم الشائع دراسته باللغة الإنجليزية كالطب مثلًا، حينها قد يُفضل دراسة الإنجليزية جيدًا واللاتينية جيدًا -لأن الكثير من صياغات المصطلحات الطبية صياغة لاتينية- وبعدها الاطلاع بالإنجليزية على الأدب والفلسفة. لذا، من المهم معرفة الترابطات اللغوية والعلوم المكملة لمجالك العلمي.
إذا تعلمت الـ 500 كلمة الأكثر شيوعًا للسوابق (Prefixes) واللواحق (Suffixes) في اليونانية واللاتينية، ستزيد حصيلتك اللغوية في الإنجليزية إلى الضعف على الأقل، حيث أن الإنجليزية لها جذور يونانية ولاتينية.
م. أيمن عبدالرحيم
من الاحالات الجيدة في هذا الصدد:
- سلسلة Accents with Amy على اليوتيوب -أصبحت للمنتسبين باليوتيوب حصرًا-.
- كتاب التطبيق الصرفي لدراسة الصرف العربي للمبتدئين.
- كتاب العروض التعليمي لدراسة العروض والقافية.
- كتاب الدروس النحوية لدراسة النحو العربي دراسة أساسية.
- سلسلة أحكام التجويد للشيخ أيمن رشدي سويد.
- كتاب دروس البلاغة لدراسة البلاغة العربية دراسة أولية.
- أكاديمة MIG لتعليم اللغة الالمانية ( متوفرة حصرًا للمقيمين في مصر).
مهارة إدارة الوقت والحياة.
إحدى مشاكلنا هي التعبير عن مواضيعنا بشكل غير جاد، وكثيرًا ما يختلط علينا بعض المفاهيم الأساسية كالغرض والهدف والرؤية. دعنا نفصّل قليلاً حول كلٍ منهم.
الفرق بين الغاية، الهدف، والخطة.
الغرض أو الغاية هو أشملهم، حيث يجب أن يعبر عن أهم مطلب لك في الحياة ويجيب على أحد الأسئلة الوجودية الثلاث: ما المطلوب مني وما يجب فعله في هذه الحياة؟ وهذا السؤال بالنسبة لنا كمسلمين إجابته أيسر من غيرنا، فنحن جميعنا نحوم حول غايتنا ألا وهي الجنة، ونضع هذه الحياة للعيش لمراد الله عز وجل ومرضاته. ولأجل هذا نحاول معرفة ما مراد الله في كل منا، فالله حاشاه لم يخلقنا عبثًا. لم يخلق كل منا في زمن معين وفترة معينة وبلد معينة وبقدرات نفسية وجينات وراثية معينة كل هذا عبثًا، حاشاه. فكل منا له اختباره المستقل وميزانه الخاص يوم الحساب. فالمطلوب من كل شخص محاولة معرفة مراد الله فيه، لأن الله لن يحاسبنا على ما فعلناه في حياتنا “فقط”، بل سيحاسبنا على ما كان يمكننا أن نفعل بقدر ما أعطانا من نعم.
وللاستزادة بهذه النقطة -وأنصح بها كثيرًا- محاضرة للمهندس ايمن بعنوان: من هنا نبدأ ومحاضرة الاسئلة الوجودية الكبرى.
وأيضًا موسوعة المسلم المعاصر في التوبه والترقي في مدارج الايمان لا غنى عنها في هذا الصدد.
بعد تحديد غرضك وما مراد الله منك، يأتي دور وضع هدف لك. والكثيرون ينجرفون نحو وضع أهداف حياتية ويخلطون بينها وبين الغرض. في حين أن تلك الفترة التي لم تحدد بعد مجالك العلمي أو أعمالك بدقة، سيكون من الواقعية وضع أهداف مرحلية قريبة التأثير والتحقق، أقصى حد أهداف لثلاث السنوات القادمة. فهذا مجال للعمل فيه وأكثر واقعية من فعل أمر بعيد المدى وربما تغيره إذا اختلفت معاييرك أو مجالك الدراسي. (سنتحدث لاحقًا فيما يمكن فعله في حالة بدأت بدراسة مجال تخصصيًا واكتشفت بعدها مجالًا آخر أنسب لم يصادفني قبل، هل أتراجع أم أكمل؟).
أهمية تحديد أهداف قصيرة ومتوسطة المدى
بعد تحديد غرضك وأهدافك المرحلية أو العامة، يأتي دور الرؤية أو الخطة التي ستقوم بتركيب عملية التعلم عليها. فإذا لم تحدد نفسك بمهام محددة يومية تنتهي منها خلال اليوم وقدر معين تنتهي منه خلال الأسبوع، فأنت لا تمتلك خطة أو رؤية وتملك فقط غرض أو هدف عام.
وتعتبر مهارة تفتيت أو تجزئة المهام إحدى مهارات إدارة الحياة. وكما يُشاع في بعض الأمثلة: كيف يمكنك أكل حوت؟ ببساطة قسمه إلى ملاعق وكل يوم قدر معين، وبعد مدة ستنتهي منه كله.
بعض الاحالات المعينة على أستيعاب مهارات إدارة الحياة:
- كتاب إدارة الوقت بين التراث والمعاصرة – ينصح بالبدء به قبل البقية لعِظم فائدته-
- دورة على linkedin learning بعنوان: Time Management Fundamentals
من مهارات إدارة الحياة القدرة على التعامل مع ضعف الهمة والكسل والمماطلة. فالكثيرون عندما أدركوا أنه عليهم القيام بالكثير من الأمور -كما هو واضح حتى الآن في المقال- بدأوا يشعرون بأن الجبال حملت عليهم وكتفهم حُمل بالكثير من الأعباء حتى فقط للوصول إلى ماذا يريدون أن يتعلموا. فما بالك بقدر الجد والعمل عندما يبدأون بدراسة ما اختاروه. وهذا العبء إذا لم تكن خضته من قبل، فعقلك تلقائيًا سيتجنب الخوض فيه أو الإكمال “بجدية” تجنبًا للألم. ومن الجيد أن الكثير من هذه الأعراض يمكن قياسها والحد من تأثيرها عن طريق إزالة المزاج من المعادلة والالتزام المجرد في فعل المهام حتى ولو لن تقوم المهمة بكفاءة. فالغاية هنا هي تثبيت العادة وتنمية المسؤولية النفسية لديك.
فمن الاحالات المفيدة جدًا في هذا الشأن:
- موسوعة صلاح الأمة في علو الهمة (مفيدة جدا في تقوية الجانب المعنوي)
مهاراة الادارة المالية (الماليات)
ذات مرة سأل شخص ثلاثة أثرياء في إحدى الندوات، وكل منهم أعطى له نصيحة توفر عليه الطريق نحو الثراء.
فقال الأول: “لا تقم بشيء لا تحبه، ولو تفعل شيء لا تحبه حاليًا تخلص منه بالتدريج.”
وقال الثاني: “لا تقم بشيء تحبه ولا تجني المال من خلاله. ابتكر طرقًا لذلك وإلا ستتوقف عن القيام بما تحب.”
وقال الثالث: “المعادلة للثراء هي: الربح الصافي = أرباحك – مصروفاتك. لكن إياك أن تفكر في تقليل مصروفاتك لزيادة صافي الربح، بل ابتكر طرقًا لزيادة أرباحك.”
فمن هذه القصة ندرك أن في حياتنا علينا الموازنة بين ما نحب وبين القدرة على جني المال من خلاله حتى نتمكن من الاستمرار في العيش والاستمرار في فعل ما نحب. المعادلة صعبة، خاصة إذا كان ما نفعله خارج إطار المألوف أو ما نحبه ذا دخل متدني في محيطنا. لكن تكديس المعارف والمهارات قد يخفف من حدة المعادلة، خاصة أن العالم في هذا العصر يسير نحو النظم اللامركزية، والكثيرون حاليًا يتوجهون نحو الأعمال الحرة (Freelance)، وهذا ما سيزيد فرصك في إيجاد معادلة توازن بين ما تحب وبين جانبك المالي.
أهمية الاستثمار في التعلم والمعرفة المالية.
ومن المثبطات في إدارة المال بهذا العصر هو تفكير الموظفين. فكثيرون ممن لم يدركوا أدوات هذا العصر ومازالوا يتعاملون بأدوات جيل آبائهم، مستدلين بأن آباءهم أنجزوا ماديًا وفعلوا الكثير بالاعتماد على تلك الأدوات. وهنا نجيب: نعم، فعل الجيل السابق الكثير وأنجزوا الآباء في عصرهم، لكنه وفق المتاح لهم من أدوات حينها وليس بالمتاح الآن. لذا لا داعي لتقليد طرقهم على نحو أعمى وإهمال المتاح لدينا. ومن الطبيعي أن ما فعلوه الآباء طيلة أعمارهم قد يصل إليه أحدهم حاليًا في سنوات قليلة لاختلاف الأدوات.
لذلك، من الطرق المجيدة في هذا العصر ألا وهي الاستثمار في التعلم -وتحديدًا في اللغات- وخاصة أن الكثير من الباحثين يشيرون إلى أن توجه العالم خلال السنوات القادمة يسير نحو الصناعات المعرفية.
من أفضل الاحالات الكتاب الشهير: الأب الغني والأب الفقير لروبرت كيوساكي
ملاحظة هامشية: ذكر المهندس في المحاضرة كتاب أخر بعنوان: تعليم الأمور المالية للأطفال لنفس المؤلف، لكن بعد بحثي لم أجد كتاب كهذا.
فقمت باضافة هذا الكتاب الاخير جهد شخصي مني، فهو احالة مني وليس من المهندس أيمن.
مهارات الادارة
للأسف منذ صغرنا تمت تربيتنا على التفرق والانفراد وليس على العمل الجماعي، فأصبحنا عندما نجتمع نزيد ضعفًا. وهذا راجع إلى ضعف في القدرة على الإدارة في مجتمعاتنا، وأيضًا راجع إلى قلة الممارسة الإدارية والتأثير داخل المجتمع، وأيضًا لعوامل سياسية ليس لها مكان في ذكرها هنا.
ينصح في تعلم اساسيات الادراة ولو بشكل أفقي بدايةً وهنالك الكثير من الاحالات لذلك:
بعض المهارات العامة
ارفق هنا بعض الحالات حيال الكثير من المهارات العامة والمتنوعة الذي من المهم جدًا الاستفادة منها على نحو خاص:
علوم الحاسب:
-
- أكاديمية AGC لتعليم هندسة صناعة البرمجيات
مهارات الملاحظات والتلخيص:
مهارات الدراسة:
-
- أكاديمة الطباعة لتعليم الكتابة السريعة.
-
- مهارة الخرائط الذهنية.
-
- موقع القراءة السريعة
-
- موقع مهاراتي
بعض الاحالات في البدء بدراسة العلوم الشرعية.
بعض الاحالات لزيادة تحصيل الثقافة العامة.
القسم الثالث: نصائح عامة واستراتيجيات التعلم
-
-
حاول أن تتعلم أكثر من علم معًا بسبب قانون الاقتصاد، وحتى لا تتوهم في تعلم شيء وتتعلمه أكثر من اللازم وتقف عند نقطة معينة ولا تنتقل. فانتبه أن تقف في المنتصف، وحاول بكل طاقة الاستمرار في عملية التعلم، فالاستمرار يمنع من تثبيط الهمة والإحساس بطول الطريق.
-
-
- هنالك التطبيقات في الهواتف الغرض منها تتبع عدد ساعات دراستك عن طريق كتاب او محاضرة وخلافه (المهندس أيمن نصح بتطبيق ولكن عند البحث عنه وجدته لم يعد متاحًا، ولكني شخصيًا أنصح بتطبيق Boosted).
-
-
العمل يتمدد ليشغل الوقت المتاح له، فإذا وضعت جدولًا للعمل ينتهي في شهر، فلن ينتهي غالبًا إلا خلال شهر. وإذا وضعته في أسبوع، فلن ينتهي غالبًا إلا في أسبوع. لذلك، انتبه لوقتك مع العمل، فلا تعطه أكبر من حجمه ولا أقل. وهذه الدقة في إعطاء الأعمال أوقاتًا ملائمة لها ولن تأتي إلا بالممارسة والخطأ. لذلك، كن مدركًا لأهمية اكتساب هذه المهارة.
-
-
- موقع كورسيرا من المواقع المفيدة جدًا في تعلم دورات متنوعة، لكن قد يكون ثمن هذه الدورات عائقًا. لذا، يمكن استعمال ميزة الدعم المالي في موقع كورسيرا لأخذ الدورة مجانًا أو بسعر مخفض. وهنالك طريقة معينة في طلب هذا الدعم بصورة ناجحة، تجدها في هذا الرابط
-
-
الثقافة مثل النظارة التي ترى بها العالم. فحتى لو أدركت أمورًا وعلومًا لن تقوم بها، يمكنك أن تدل بها غيرك أو تغرسها في ابنك في صغره، كما فعل والد الإمام البخاري. كان محبًا للعلم وكان تاجرًا، فغرس هذا الحب في ابنه فأصبح ما أصبح لاحقًا. فإذا لم تنجُ، حاول أن تنجو بها غيرك فتنجو به، ورب مبلغ خير من سامع.
-
القسم الرابع: أسئلة قد تطرأ على ذهن القارئ
جمعت بعض الأسئلة الذي طرحت على المهندس ايمن أثناء المحاضرة من الجمهور، نقلتها لك بتصوف.
إذا كنت حاليًا أمتلك وظيفة لا أحبها، هل أخاطر في الانتقال إلى العمل الحر للتفرغ أكثر في تعلم علوم ومجالات أحبها؟
اكتساب المهارات الأساسية العامة والبدء بالانتقال التدريجي إلى مجال جديد (Career shift) خير لك من الإقدام على مخاطرة ومغامرة غير محسوبة تمامًا.
هل عليَّ البدء في العمل الحر منذ البداية إذا كان باستطاعتي ذلك؟
هذا السؤال تنقسم إجابته إلى قسمين:
القسم الأول هو أن كل إنسان مختلف عن الآخر، فالبعض قد تكون الوظيفة ملائمة له أكثر من العمل الحر، ويمكنه التوفيق بينها وبين ما يتعلمه وحياته عمومًا. لذا، من المستحسن أن تجرب كلا الأمرين: العمل الوظيفي والعمل الحر، حتى تقرر ما الأفضل لك.
القسم الثاني هو أنه حتى لو كنت مدركًا سلفًا بأن العمل الحر هو الأنسب لك، فمن الأفضل أن تقوم بتجربة العمل الوظيفي أيضًا من باب التعرف على الشيء يزيد التعرف على نقيضه. حاول أن تكون التجربة في حدود 6 أشهر، ستتعلم من هذه التجربة بلا شك.
أنا قد بدأت بالفعل في أحد المجالات العلمية على نحو تخصصي، ولكني اكتشفت لاحقًا أن هناك مجالًا أشعر بأنه يناسبني أكثر، وأود لو كنت أعرفه مسبقًا لاختياره. فهل أكمل ما أنا فيه أم أنتقل؟
هذا يعتمد على النظام الذي تدرس به مجالك الحالي. إذا كان دراسة أكاديمية في جامعة، فمن الأفضل أن تكمل ما بدأته، وتحصل على شهادة تخصصية في مجال جيد معك إلى حد ما، ثم بعدها ادرس ما تحبه. أما في حالة دراستك للمجال بشكل ذاتي أو غير أكاديمي بالعموم، فحاول أن تنتقل بالتدريج.
المهندس أيمن شبه الأمر بشخص دخل إلى مبنٍ مكون من 12 طابقًا يبحث عن شيء ما، فظل يبحث حتى وصل إلى الطابق الثامن، وهناك اكتشف أنه دخل المبنى الخاطئ، وأن المبنى الصحيح هو الذي بالجوار. هل يكمل البحث في الأدوار الباقية أم يتراجع ويبدأ البحث في المبنى الذي يظنه صحيحًا؟ الإجابة هي أنه سيكون من الأفضل أن يكمل البحث حتى الطابق الأخير حتى يتأكد أن ضالته ليست هنا على الأقل، وعندما ينتهي، لا ينزل من المبنى بل يحاول أن يجد طريقة للقفز إلى المبنى المجاور من الأعلى.
بمعنى آخر: ابحث عن الأشياء المشتركة بين مجالك القديم والجديد حتى لا تبدأ من الصفر. ومن الطبيعي إذا وجدت مجالًا ثالثًا لاحقًا هو أقرب إليك من السابقين بعد مدة، ببساطة ستقفز إلى المبنى الثالث أيضًا. في النهاية، الخسارة ليست كبيرة، فاكتساب الخبرة والمعرفة في المجالات التي درستها ووجدتها لم تناسبك تمامًا ليس بالأمر السيء بتاتًا.
أنا أدرس مجالًا بشكل تخصصي كالطب مثلًا ولا أشعر بأني أحبه، وفي نفس الوقت لم أجد بعد المجال الذي أحب. هل أترك مجالي وأتفرغ أكثر للبحث عما أحب؟
أكمل فيما تفعله الآن فهو الأصل حتى يثبت العكس، واجعل البحث في دراسة علوم مختلفة أمرًا تقوم به مع دراستك بالتوازي.
هل من الطبيعي أن يظل المرء في تعلم المهارات الأساسية شهورًا؟
من الطبيعي أن تأخذ 3 أو 4 شهور في تعلم المهارات الأساسية، وربما 6 أشهر أو عامًا بالكامل حتى. الأمر يعتمد على حصيلتك المسبقة وكفاءتك في التعلم والانتقال. ولا تحاول أن تستعجل الثمار أو أن تضع لنفسك حدودًا غير واقعية. لست في سباق مع أحد، ولا تنسَ أن العلوم والمهارات الأساسية والاطلاع الأفقي مهم ومفيد جدًا في الانتقال من علم إلى آخر، لأن الأرضية المشتركة بين العلوم واسعة جدًا. فبقدر غرس هذه العلوم والمهارات كان قويًا، بقدر سهولة تعلم العلوم والانتقال بينها لاحقًا.
لماذا هنالك بعض الاعمال والعلوم لا استطيع الموازنة بينهم والعمل بالتوازي؟
ليست كل الأمور تصلح لأن تُقام بالتوازي، ولا تصلح مع الجميع. فهنالك أشياء تصلح معًا على التوالي، وأشياء تصلح معًا على التوازي، وأشياء لا تصلح معًا أصلاً. وفي هذه الحالة، عليك تثبيت شيء واحد في البداية، وتتبع كم يستهلك من الطاقة والوقت، ثم تتخذ بعدها قرارًا عقلانيًا بناءً على قدراتك وطاقتك: هل يصلح أن تضع شيئًا آخر معه أم لا؟ وكلما كانت الأمور قريبة من بعضها أو تساعد بعضها، كلما كان أسهل العمل بهما معًا. فمثلاً، البعض يجد دراسة الفقه والتاريخ والكتابة الإبداعية أمرًا يسيرًا على التوازي.
وضرب المهندس أيمن مثالًا في هذا: أن أسطوانات المدمجة (CD) مساحتها لا تكفي إلا لحمل نسخة ويندوز واحدة. لكن قد تجد البعض يمكنه وضع نسختين مختلفتين على أسطوانة واحدة. فكيف؟ عن طريق وضع الملفات المشتركة في النسختين في ملف واحد مشترك بينهما، ووضع الملفات المختلفة بينهما على حدة. فلم يعد بحاجة إلى تكرار ذات الملفات المشتركة في كل منهما في الأسطوانة. فاستغلال وجود ملفات مشتركة في كليهما -لأنهما نسختا ويندوز لكن الإصدار مختلف- ساعد على وضع نسختين في مساحة أقل.
ختامًا
وقتنا محدود على هذا الكوكب، ولابد أن نقتصد في فعل الأمور ونوفره قدر الإمكان،
حتى نتمكن من حمل ولو قليل من رسالة الإسلام في هذا العصر المضمحل، ورفعة شأنها بين الأمم.
وأرجو أن ينفعنا الله بما علمنا وتعلمنا، وأن ينفعنا بالمهندس أيمن عبد الرحيم.
وأختم كما بدأت، بأحد أشهر ما اشتهر به فتى الكهول: (سقف الممكن مذهل).
المرء بين قيمته فيما يُحسن وبين قيمته فيما يطلب. م. ايمن عبدالرحيم