ونسوا الغاية التي من أجلها خرجوا من جزيرتهم، يوم كانوا يقتلعون الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده. فإذا بهم يحكمون الناس حكم البشر للبشر، ويحيون حياةً لاهية متحلّلة، حياةَ من لا يعرف نبيًّا، ولا يؤمن برسالة أو وحي، ولا يرجو حسابًا ولا يخشى معادًا. حتى صاروا أشبه بالأمم الجاهلية التي قاتلوها بالأمس، فإذا هم يقلّدونها في حضارتها ونظامها، وسياستها وأخلاقها، ومناهج حياتها، بل وفي كثير مما مقتها الله عليه فأذلّها.
وأضحى جلّ همّهم الأكل والشرب والمتاع، حتى صاروا كرعايا الناس بلا فرقان ولا نور يهتدون به. وشابه ملوكهم وأمراؤهم جبابرة الأمم وفراعنتها، وأغنياؤهم مترفيها وكبراء مجرميها، حتى كاد فُجّارهم أن يسبقوا فُجّارها. تفشّى بينهم الحسد والبغضاء والتنافس على السلطان، والتكالب على حطام الدنيا، والركون إلى الترف والنعيم، والإعراض عن الآخرة. وسُفكت الدماء، وانتهكت الأعراض، وضُيّعت الحقوق، وغُدرت العهود والمواثيق، وتعدّوا حدود الله، وأعانوا الظالم، وجاروا في الحكم، وأسرفوا في أموال الأمة، وانتشرت الفواحش والمنكرات، وابتُدعت الجرائم وتفنّنوا في الخيانة، حتى لو سُطّرت أحوالهم لملأت المجلدات.
فهانوا على الله رغم أسمائهم الإسلامية، ورغم وجود الصالحين فيهم وظهور بعض شعائر الدين بينهم، إذ غلبت المظاهر على الجوهر، والهوى على الهدى، والدنيا على الآخرة.
