في هذه المراجعة السريعة سنعرض عملين من عالم المانجا اليابانية يعتبر رغم قصر فصولهما إلا أنهما مميزين ويقدموا تجارب متنوعة؛ فمنها ما يغوص في قضايا إنسانية عميقة عبر قصص هادئة،
ومنها ما يعطي الحماس بأحداث مليئة بالقتال والإثارة، وفي هذا المقال وبدون أي حرق سنسلط الضوء على عملين مختلفين ظاهريًا، لكنهما يتفقان في العمق على محور واحد: التعلّم كوسيلة لفهم الحياة وتجاوز حدود المعرفة الشخصية.
محتويات المقال
مانجا Karakuri Odette
العمل الأول هو Karakuri Odette الذي يحكي عن “أوديت”، فتاة روبوت في عمر 15 عامًا، تسعى لاكتشاف معنى المشاعر الإنسانية والاندماج في المجتمع. تلتحق بالمدرسة وتبدأ تجربة حياة البشر عن قرب، بينما يحاول البروفسور الذي صنعها إخفاء حقيقتها لحمايتها.
التصنيف: شوجو، رومنسي، مدرسي، خيال علمي. عدد الفصول: 35 فصلًا. من تأليف: Julietta Suzuki.
الأحداث كما هو ظاهر في التصنيف بأنها هادئة وبطيئة لكن عميقة حيث تستكشف أدويت البشر من الإعجاب والكره والفرح والفضول، كونها جزء مغاير للمجتمع المحيط له حيث تبدأ بتعلم ممارسات البشر، يوجد في المانجا العديد من الشخصيات على تركيز أساسي على أوديت، فهنالك أساو: زميلها في المدرسة، الذي يساعدها رغم مشاكله الخاصة، البروفسور شيرازوكي: مبتكرها، يتعامل معها كابنته، ورفض عروض بيع أوديت في أحد المواقف لكبرى الشركات بإعتبارها لا يمكن لأب أن يبيع ابنته فقط لأنها مميزة.
القصة تبدأ مع البروفسور اللي اخترع أوديت، روبوت بملامح فتاة بشرية بعمر 15 سنة. هدفها الأساسي هو أن تفهم طبيعة البشر ومشاعرهم، لأنها رغم شبهها الكبير بالإنسان إلا أنها خالية من الإحساس.
أوديت تقرر أنها تخرج من عالم المختبر وتعيش وسط البشر الحقيقيين، فتدخل المدرسة الثانوية. هنا تبدأ أول احتكاكاتها مع الطلاب والبيئة الجديدة: فصول، أنشطة، ونوادٍ، وتبدأ تسرد مجموعة من المواقف الصغيرة التي تواجهها أوديت في حياتها اليومية: كيف تكوّن صداقات؟ كيف تتعامل مع الكذب أو الخيانة؟ ما معنى الغيرة أو المحبة؟ لماذا يبكي البشر؟ ولماذا يضحكون؟
مع مرور الوقت، تبدأ أوديت تلاحظ أنها تغيّرت: ردود أفعالها أصبحت أكثر قربًا للبشر، وأسئلتها أعمق. ومع ذلك، يظل الصراع الأساسي قائمًا: هل يمكن لآلة أن تفهم القلب البشري؟
المانجا في أصلها تطرح سؤالًا فلسفيًا حول إمكانية الروبوتات فهم المشاعر البشرية عبر البيانات والتحليل (Big Data) لذا سيلاحظ القارىء مع فصول المانجا تشابه الأحداث مع أدويت ومحاولة ربط معلوماتها المسبقة لاستنتاج معلومات جديدة في موقف يطرأ لأول مرة،
ومن ناحية أخرى، يمكن القول ولو قليلاً أن مانجا كهذه بهذه القصة قد تصور طبيعية البشر مع أدوات الذكاء الإصطناعي، قد يأتي يوم ويصبح الربوتات محل إقامة بيننا، ويبدأوا في مراقبة السلوك البشري، رغم أنه لن يكون بنفس الدرجة في المانجا، لكن ليس بعيد أن يحدث ولو جزء بسيط منه. أن يقوم مقام المراقب والفضولي لكيف يعيش البشر هذه الحياة؟
ينتهي المانجا بشكل إعتيادي بنهاية مفتوحة لكن مرضية بإعبتارها خيال علمي شوجو في النهاية، حيث أن الخاتمة ليست أبرز ما يميز المانجا وإنما القصة وتفاعل أوديت مع الأحداث اليومية.
وبطبيعة الحال الرسومات متوسطة الجودة كونها تعكس طابع الشوجو الهادئ، وهذا يجعل القارىء يركز على المضمون والمغزى أكثر من المظهر.
مانجا All You Need is Kill
أما مانجا All You Need is Kill تدور حول “كيريا كينجي”، جندي مبتدئ يلقى حتفه في أول معركة ضد “المقلدين” (مخلوقات فضائية تسعى لإبادة البشرية)، لكنه يجد نفسه عالقًا في حلقة زمنية، يعود فيها دومًا إلى نفس اليوم بعد موته، ليتحوّل تدريجيًا من جندي خائف إلى محارب بارع يقاتل للبقاء، مستفيدًا بخبراته التي اكتسبها من تكرار الموت.
كيريا كينجي: بطل القصة العالق في الحلقة الزمنية. ريتا فراتاسكي: جندية أسطورية تُلقب بـ “كلبة الدمار”، تمثل الأمل للبشرية.
أحداث سريعة ومكثفة، تأخذ القارئ مباشرة إلى قلب الحرب، ورسومات دقيقة وواقعية من رسام Death Note، حيث تضيف قوة بصرية للأحداث، لكن التركيز على شخصيتين محوريتين (كيريا وريتا).
المانجا تناقش فكرة الحلقة الزمنية والسفر عبر الزمن لفهم المصير وتغيير المستقبل، بفكرة أن التكرار الشيء وفعله بطرق مختلفة يزيد من الخبرة والمعرفة الشخصية، فأسلوب التجربة والخطأ صحيح حتى على النطاق الحياتي، فكثير منا يود أن يتمكن من فعل الأمر بأكثر من مرة بأكثر من طريقة ليتمكن من إتقان الأمر.
القصة تنطلق في زمن مستقبلي حيث تخوض البشرية حربًا شرسة ضد مخلوقات فضائية مدمرة تُعرف بـ “الميمكس” (Mimics)، هذه الكائنات تهدد وجود البشر على الأرض، والجيوش العالمية تحاول صدّها في معارك طاحنة. البطل “كينجي كيريا” شاب مجند حديث العهد بالحرب. يُلقى مباشرة في معركة مصيرية من دون خبرة كافية أو استعداد نفسي كامل، سرعان ما يدرك أن ساحة القتال لا ترحم، وأن الموت قد يكون أسرع مما يتوقع.
المعركة بالنسبة لكينجي ليست مجرد حدث واحد، بل تجربة تتكرر بشكل غامض ومفاجئ. كل مرة يخوض فيها المواجهة يتعلم شيئًا جديدًا عن القتال، عن نفسه، وعن العدو الذي يواجهه، الفكرة أن التطور الشخصي لا يأتي بالتأمل، بل بالتجربة القاسية، حيث يتحول من جندي ضعيف إلى مقاتل صلب بفعل التكرار والمعاناة.
مع كل مواجهة متكررة، يزداد إدراك كينجي لمعنى الحرب، ولمعنى أن يقف الإنسان ضد مصيره، لكن خلفها توجد تساؤلات: هل يمكن للإنسان أن يغير قدره؟ وهل البطولة اختيار، أم نتيجة حتمية للمعاناة المستمرة؟
أوجه التشابه والإختلاف
طريقة التعلّم
تتمثل رحلة أوديت في التعلم عبر التأمل الداخلي؛ فهي روبوت تحاول فهم مشاعر البشر وتفكيك ألغاز العاطفة. كل خطوة في قصتها بطيئة وهادئة، أقرب إلى جلسة تأملية تسعى لاكتشاف معنى الإنسانية. بينما كينجي بطل All You Need is Kill يتعلم بطريقة معاكسة تمامًا، إذ يُلقى مباشرة في أتون المعركة، ويخوض التجارب القاسية المليئة بالموت والدماء، ليتطور من جندي ضعيف إلى مقاتل صلب بفعل الاندفاع والتكرار.
الإيقاع والجو العام
أوديت تعكس عالماً مدرسياً بسيطاً ومليئاً بالدفء، حيث تُبنى العلاقات تدريجيًا وتُطرح أسئلة فلسفية في إطار خيالي رقيق. في المقابل، تفرض All You Need is Kill على قارئها جوًا خانقًا سريع الوتيرة، محكومًا بالقتال المستمر ضد المخلوقات الفضائية، حيث لا وقت للتأمل ولا مساحة للعاطفة، بل سباق مع الزمن للبقاء حيًا.
المعرفة كخيط مشترك:
رغم التناقض الظاهري بين التأمل الداخلي والاندفاع الخارجي، إلا أن كلا البطلين يسيران في رحلة بحث عن المعرفة. أوديت تكتشف إنسانيتها عبر فهم العاطفة، وكينجي يكتشف ذاته عبر مواجهة الموت المتكرر. في الحالتين، الطريق مختلف لكن الهدف واحد: النضوج عبر التجربة.
البُعد الإنساني:
كلا العملين يقدمان رؤية عن الإنسان بطريقتهما الخاصة؛ أوديت تسأل “ما معنى أن تكون إنسانًا؟”، بينما كينجي يواجه “كيف يصبح الإنسان بطلًا عبر الألم؟”. ورغم اختلاف الطرح، إلا أن النتيجة النهائية واحدة: الإنسان يتشكل من خلال معاركه الداخلية والخارجية على حد سواء، وما يتركه ذلك من أثر في روحه وفكره.
بينما تتعلم أوديت عبر التأمل الداخلي، ويتعلم كينجي عبر التجربة المباشرة، نجد أن المعرفة في النهاية تُكتسب مهما اختلف الطريق.
ختامًا
إن كنت تبحث عن قصة فلسفية عاطفية، ستجد ضالتك في Karakuri Odette أما إن كنت تفضل الإثارة والوتيرة السريعة، فـ All You Need is Kill سيأخذك إلى قلب المعركة بلا تردد.
