الشذوذ الجنسي بين الفطرة والبروباغاندا: قراءة نقدية

بوصلة رمزية بنصف مضيء ونصف مظلم تعبر عن الفطرة مقابل البروباغاندا، غلاف مقال فكري نقدي

“الأسلوب الذي يخرج من الفطرة المستقيمة هو أسلوب عصري في جميع العصور.”

عباس محمود العقاد

كثيراً ما نسمع بين الحين والأخر عن مطالبات بالتطبيع عن تلك الأفكار التي تقبلها الغرب منذ عقود، وأن مستثقبلنا ومستقبل بلادنا مرهون بتقبل هذه الأفكار بحجة ضمنية المشهورة: “,اصبح من لا يتقبل هذا النهج يصبح من الفئة الرجعية المتخلفة التي تريد الرجوع الى غياب ظلمات الماضي البائس. ‘هؤلاء تقدموا هكذا، فاذا لم نتشابه بهم فلن نتقدم مثلهم” وألا نبقي “مختلفين” ومن أبرز التطبيع والانتفاح هو ما يخص الشذوذ الجنسي ومجتمعهم، بداية من تطبيع به كمسمى واطلاق عليه “المثلية” وصولاً الى التطبيع بهم قانونياً وسلوكيًا وقيمًا.

وعلى الرغم أن بلادنا مازال لها الوعي المجتمعي الكافي في الوقت الراهن في رفض وعدم تقبل هذا النوع من الأفكار الهدامة للقيم والهوية والحياة البشرية، الا مازال على عاتقنا ترشيد وتوعية الفئات الناشئة في خطر على النوع من الأفكار التي قد لا يظهر خطرها على المستقبل القريب، لكن أثرها سيكون ملحوظ في العقود القادمة، ولعل بدأت تظهر بعض بوادر هذه الأقكار وتقبلها في بعض البلدان العربية.

وفي هذا المقال سنشير الى نقد هذه الظاهرة وأبرز ما يتعلق بها على الصعيد الإعلامي والمعرفي، حيث لعل من يقرأ وكان باحثًا للحق أن يجده ويقتنع أن سبيل الشيطان والمخالف للوحي، لم يكن يومًا السبيل الصحيح.

“لستُ إذن كائنًا يحسّ وينفعل لا غير، بل أنا كائن فاعل عاقل. وعلى عكس ما تدّعيه بعض الفلسفات، أقول: إليَّ كان شرفُ قوةِ التفكير. غير أني أعلم في الوقت ذاته أن الحقيقة في الأشياء لا في الأحكام التي يصدرها عقلي بشأنها؛ فكلما احتطتُ في حكمي اقتربتُ من الصواب. وهكذا يقرّ العقل نفسُه بما خلصتُ إليه سابقًا: الميلُ مع الذوق دون الخضوع الأعمى لأوامر العقل.”

جان جاك روسو – «دين الفطرة»

ما الفطرة؟

الفطرةُ في معناها العربي الخِلقةُ والصبغة، وهي الطابعُ الأصليُّ في النفس البشرية الذي صبغه الله فيها؛ وتشمل في داخلها القيمَ الإنسانية كالرحمة والتعاطف والعدل والفضول… وهي أفكار يدركها الإنسان تلقائيًا لا بتأثّرٍ لاحقٍ ببيئةٍ أو مجتمعٍ أو عقيدة، مثل الإيمان بوجود إله، والشعور بأن للحياة معنًى ومغزًى، فالفطرةُ أشبهُ بـ “السوفت وير” أو الاعدادات الافتراضية المزروع في المرء منذ خَلْقِته.

لكن هذه الصبغة قد تتعرّض للتشويش والتلوّن والتعديل عبر مراحل العمر: بأفكار الأسرة، والمجتمع، والمجتمعات الأخرى، والعقائد، وتأثير الدعاية والبروباغندا… فتبدأ تضطربُ وتختلط، وما ينقّي الفطرة السليمة من الشوائب هو التحررُ من أساليب التلقين، والبحثُ والسعيُ في طلب المعرفة والهداية في العثور على طريق النجاة.

الإسلام والفطرة

الإسلام لم يأمر أن يُتبع ككتاب تلقيني، أن تؤمنُ به فحسبُ، وتُصلي وتصوم فقط، فهذا إيمانٌ هشّ لا ينجي صاحبه وخاصة في عصور شيوع المنكرات كحال عصرنا، لذا كان

أوّلُ ما نزل على النبي ﷺ لم يكن صلِّ أو صُم أو اسجد، وإنما اقرأ ، بالقراءةِ تعرفُ وتبحثُ وتجدُ الحقيقة، وعندها ستُصلي وتسصوم وتتبع الإسلامَ اقتناعًا حقيقيًّا، وعن علم و دراية، ولذلك سنجد الكثير من الايات التي تحث على التدبر والتعقل والتفكر في مخلوقات الله سبحانه والسعي عن البحث، والذم من كان يبتع الأسبقون بدون علم، ومن هنا يحثّك كذلك الإسلام على استعادة الفطرة السليمة التي وُلِدتَ بها.

“قد أودع الله في قلوبنا تلك البوصلة التي لا تخطئ، واسمها الفطرة.”

الدكتور مصطفى محمود

بداية الشذوذ الجنسي في أمريكا

كان هنالك طالب دكتوراه في أمريكا عاصرَ فترةً فاصلة، ولاحظ وقوعَ حادثتين إلى ثلاث حوادث اغتصاب يوميًّا داخل الجامعة، رغم أن الجنسَ مُتاحٌ جدًّا في الحرم الجامعي، والحفلات والعلاقات العابرة منتشرة. بدا الأمرُ غير منطقي: طالما يُستجاب للغرائز بسهولة، فلماذا يذهبُ البعضُ لارتكاب جريمةٍ يُحاسَبُ عليها بينما يمكنه تفريغُ رغباته قانونيًّا؟

قرّر الطالبُ أن يجعل رسالتَه حول البعد المعرفي للجنس في الغرب، وفي النهاية حملت الرسالة عنوانًا صادمًا: «الشذوذ الجنسي البروتستانتي». وكان أبرز ما فيها تنبُّؤٌ دقيقٌ بحدوث ثورةٍ للشذوذ الجنسي في أمريكا، وهو ما وقع لاحقًا، بما أثبت قوةَ النموذج المطروح لتفسير الواقع الأمريكي؛ رغم أن المجتمع حينها كان محافظًا جدًّا، وسُنَّتْ قوانينُ صارمة (مثل قرار الرئيس آيزنهاور عام 1950 بمنع المثليين من تولّي مناصب اتحادية رفيعة)، طريفٌ أن أحدَ أساتذة التحكيم رفض الرسالة بعد ساعتين، فتأجّلَتْ عامًا. عاود الطالبُ البحثَ والتقويةَ حتى قُبلت. وبعد مدةٍ طويلة أُخبِر أن الأستاذَ نفسَه طلّق زوجتَه وعاش لاحقًا مع صديقه الذكر!

خلاصةُ نموذج الرسالة كان يقول: طالما تتجه الحضارةُ العلمانيةُ إلى تقديس الفردية واللذة، فسيتحوّل الجنسُ إلى لغةٍ للمتعة لا لحقائقِ الذكر والأنثى. البعدُ المعرفيُّ هنا قائمٌ على تصوّرٍ عدميٍّ للإنسان: تحقيقُ الرغبات هو المهمةُ العليا، والإنسانُ مادةٌ فقط، فإذا لم يُلبِّ رغباتِه فورًا فليس حرًّا. شبَّه الطالبُ ذلك بعادةٍ رومانية تُسمّى (الفوميتوريوم): يأكلون ثم يتقيّأون عمدًا ليعودوا للأكل ثانيةً. هذا ليس «أكلًا» بوظيفته الطبيعية (بقاء الجسد)، بل لذّةٌ خالصة. وكذلك عندهم الجنس.

هذا الطالب هو الدكتور عبد الوهاب المسيري الفيلسوف والمؤرّخ المصري وعالم الاجتماع والمؤلف الموسوعي – رحمه الله. وقد ترك أثرًا عميقًا، ومن كتبه التي أثارت إعجاب القرّاء «رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمر».

الشاهد من القصة أن الشذوذُ ليس “مشاعرَ حب” أو عاطفية بالضرورة كما يُشاع؛ بل له بُعدٌ معرفيٌّ يقوم على اللذّة أولًا. وقد طرح الطالبُ أمثلةً لشخصياتٍ مشهورةٍ تبنّت المثليةَ لأسبابٍ أيديولوجية لا عاطفية داخلية، و ليس شيئًا متأصِّلًا في الطبيعة البشرية؛ بل قائمٌ في شريحةٍ معتبرةٍ على بُنى معرفيةٍ وفلسفيةٍ محدّدة، كما يفسِّر هذا لماذا انطلقت الثورةُ الجنسية في الغرب ولم تنطلق في الشرق مع أن كليهما كان محافظًا في الماضي.

دون نسيان أحد أسباب المؤيدة لزيادة تأثير الثورة لاحقًا، دور الإعلام والبروباغندا في تغيير المجتمع الأمريكي تدريجيًّا نحو تقبُّل ما كان يرفضه، وكيف تحوَّل الخطابُ من طلب القبول والمساواة إلى فرض الرؤية وتجريم الرافضين؛ حتى غدا «عدمُ تقبّل الشذوذ» عند بعض الخطابات مرضًا نفسيًّا يتطلب العلاج منه.

الميول الشاذة من المنظور الجيني

من الخطابات المؤيدة للتصور المثلية بأنها طبع بشري طبيعي هو ما انتشر في الثمانيات القرن الماضي بوجود ما يسمي لاحقاً بالجين المثلي، التي يعزي له الميول الفرد نحو المثلية من طباع وسلوكيات مشيراً أن هذه الطباع ما هى إلا أمر جبري للفرد وخارج عن إراداته وأن خلق بهذا الهيئة، ومن هنا على المجتمع تقبل هذه الفئة المغلوبة على أمرها.

هذا النوع من الخطابات دائما ما يدعي وقوف العلم بصياغته التجريبية في صفه ودعمه بشكل لا يمكن لمعارضين أن يملكون فرصة للردع، لذا ما علينا طرحه فعلًا بعيدا عن وهم الإعلام: هل اهتمّ العلماء بتأييد أن «الميول المثلية» جذرُها جينيٌّ بالكامل؟ دعنا نجيب على هذا السؤال ببعض من التفصيل بين أروقة الأبحاث العلمية:

في إحدى الدراسات على التوائم: وُجد تقاربٌ في الميول لدى نحو 52% من التوائم المتطابقة، ونحو 22% من التوائم غير المتطابقة، ما يوحي بدورٍ جينيٍّ محتمل. لكن حين توسّع فريقٌ آخرُ إلى قرابة خمسة آلاف توأم، لم تتكرر النِّسَب، وجاءت النتائج بين 20–24% فقط. كما وُجّهت انتقاداتٌ لانحياز العيّنة (مَن لديهم ميول مثلية أكثر استعدادًا للمشاركة)، لذا معياريةٌ علميةٌ غيرُ متماسكة تقود إلى نتائجَ لا يمكن تفسيرُها بثقة، معظم الدراسات المبكرة اعتمدت على إعلان في مطبوعات المثليين لجذب المشاركين، ما يجعل العينة غير تمثيلية وقد تزيد من تضخيم النسب.1

في 2010 توصّل فريقٌ بريطاني-سويدي إلى أن تأثير البيئة الفردية (ظروفٌ خاصة بشخصٍ بعينه: أمراض، خبرات جنسية مبكرة… إلخ) يقارب ضعفي تأثير الجينات. أي أن الأفكارَ والمكتسبات البيئية أثقلُ أثرًا من العوامل الوراثية، حيث اعتمد الباحثون على مسح شامل شمل 3,826 زوجًا من التوائم المتماثلة وغير المتماثلة في السويد، ضمن فئة كبار السن (20–47 سنة)2

“في دراسة سويدية–بريطانية عام 2010 (Långström et al.)، باستخدام عينة توائم وطنية، تبين أن العوامل الجينية تفسر ما بين 34–39% من التباين في السلوك الجنسي المِثلي لدى الرجال، في حين أن “البيئة غير المشتركة” (أي الظروف الخاصة لكل فرد مثل الخبرات والتجارب الشخصية) فسّرت نحو 61–66%، مما يشير إلى أن تأثير هذه البيئة يعادل تقريبًا ضعف تأثير الجينات. بالنسبة للنساء، النسب كانت 18–19% للجينات، و64–66% للبيئة غير المشتركة.”

أسطورة جين المثلية: بين العلم والبروباغند

في عام 1993، أجرى د. دين هامِر وفريقه دراسة باستخدام 40 عينة من الأخوين المثليين (بإجمالي 33 زوجًا)، ووجدوا أن هؤلاء الإخوة يتشاركون غالبًا علامات جينية في موقع Xq28 على الكروموسوم X بدرجة أعلى من المتوقع وفقًا لقوانين المندلية العشوائية3

تجربة لاحقة في عام 1995 أكّدت وجود ارتباط مشابه، حيث وجد الباحثون أن 67% من الأخوين المثليين شاركوا نفس العلامة على Xq28، مقارنة بنسبة أقل لدى الأشقاء المغايرين. الدراسة لم تُظهر ارتباطاً لدى النساء، ما يدل على احتمال طريق وراثي مختلف.4

في مقارنة بواسطة جورج رايس وفريقه شملت 52 زوجًا من الأخوين المثليين الكنديين لم يتم العثور على ارتباط إحصائي دال بين Xq28 والميل الجنسي، واستخدموا بياناتهم ليقولوا إن هذا الموقع لا يحمل تأثيرًا جينيًا كبيرًا على المثليّة لدى الذكور.5

مراجعة شاملة جُمع بيانات من Hamer، Hu، Rice، والدراسة غير المنشورة لـ Sanders (1998) خلصت إلى أن Xq28 له أثر إحصائي معتبر لكنه ليس حاسمًا أو شاملًا وحده في تحديد التوجه الجنسي6

ومن المقال أكاديمي نشرته Kate O’Riordan عام 2012 بعنوان “The life of the gay gene: from hypothetical genetic marker to social reality” أوضح كيف تحوّل مصطلح “الجين المثلي” إلى رمز شائع في الإعلام، رغم أن الأدلة العلمية كانت ضعيفة وغير مؤكدة. المصطلح بقي عالقًا في قواعد بيانات التصنيف الحيويّ دون إعادة تدقيق كافية7

من هذه الدراسات من الجليّ أن نخرج بأن التشابه الجيني (إن ثبت) لا يساوي الحتمية، ميلُ كثيرٍ من علماء النفس اليوم إلى القول بأن تداخلَ البيئة والجينات يميلُ دوماً ناحية البيئة وأنها صاحبة الكلمة العليا.

ونختم بدراسة منشورة في Science عام 2019 حيث وجدت خمسة مواضع جينية مرتبطة بالسلوك الجنسي المثلي، وذكرت أن جميع المتغيرات الجينية معًا تفسر بين 8% إلى 25% من التباين. لكنها لا يمكن أن تتيح تنبؤًا دقيقًا فرديًا بسلوك الجنسية، وتنفي وجود “جين مثلي” واحد، وأن التوجه الجنسي يتأثر بعوامل جينية بيئية متعددة، والبيئة تلعب دورًا أكبر،8 ومع التغطية الدراسة من طرف Scientific American بأن الدراسة تؤكد عدم وجود “سبب جيني مبسّط”، بل تُظهر أن السلوك الجنسي المثلي يتأثر بمزيج معقد من العوامل الوراثية والبيئية.9

“كثيرًا ما يُقال في المؤتمرات: المثليةُ وراثيةٌ، إذن التوجهُ الجنسي ثابتٌ غير قابلٍ للتعديل. هذا غير صحيح. التأكيدُ على وراثية المثلية اختزاليٌّ إلى حدٍّ ينبغي معه رفضُه كمبدأ عامٍّ في علم النفس.”

ريتشارد سي. فريدمان – *Sexual Orientation and Psychoanalysis*

الشذوذ بوابةُ للإباحية

في مقالٍ أكاديمي بعنوان: لماذا يجب أن نكشف الجانب المظلم للمجتمع المثلي؟10 لعالِم النفس الأمريكي جوزيف نيكولوسي، تعجُّبٌ من تحوّل خطابِ كثيرٍ من المؤيّدين: من الإدارة إلى الحياد إلى التأييد؛ مع إدراك آثار ذلك على الفرد والمجتمع.

وكان من نتائج الثورة الجنسية إزالةُ الرقابة الأخلاقية عن الفنّ والإعلام إلى حدٍّ بعيد، لتنالَ صناعةُ الإباحية شرعيةً قانونية. لم يَعُد الجنسُ “غريزةً” فقط، بل منتجًا استهلاكيًّا يستجلب أرباحًا هائلة. وتوقع المسيريُّ مبكرًا ظاهرة “السعار الجنسي”: تمركزُ الإنسان حول ذاته، واختزالُ الغاية في الاستهلاك وإشباع الرغبات، في حين تُحذّر غيل دينز (Gail Dines) في كتابها Pornland (الذي تُرجم للعربية: بلد الإباحية) من أثر الإباحية على ثقافة المجتمع خصوصًا المرأة ومن تشويهها رؤيةَ الفتيات لأجسادهن وتحويلها إلى سلعة، وتقديم المظهر على المعرفة.

وفي دراسة وطنية طولية Wright & Bae (2013) أظهرت أن استهلاك الإباحية في وقت معين يرتبط لاحقًا بارتفاع القبول الأخلاقي للمثلية، والقبول بحقوق المدنيين للمثليين، ودعم زواج المثليين لدى السود، الرجال، والمستقلين أخلاقيًا، بينما لم يتغيّر موقف النساء بشكل لافت، مشيراً أن الاستهلاك المتكرر للإباحية وخاصة لدى جمهور يميل إلى الحرية الفردية أو الأخلاق النسبية يرافقه لاحقًا قبول أوسع لأفكار مثلية.

الاثار الصحيةٍ والنفسية

سؤال بحثي: (هل المثليةُ خطرٌ على الصحة؟) خلصت تقاريرُ منها ما نُسب إلى جهاتٍ بحثيةٍ أُسريّة أمريكية إلى أنه منذ 2001 بات حوالي نسبة 63% التي تظهر في الأدبيات تعود إلى حالات العدوى بفيروس HIV المُشخَّصة حديثًا في 2003 (وليس «تراكم/كُلّي حالات الإيدز» منذ 2001). فقد قدّرت الـCDC أن نحو 63% من التشخيصات الجديدة في 2003 كانت بين رجال يمارسون الجنس مع رجال (MSM).

كذلك، أشارت ورقة حقائق من CDC (يوليو 2006) إلى أن MSM شكّلوا 70% من كل تقديرات عدوى HIV بين الذكور البالغين والمراهقين في 2004. وعلى مدى 2001–2006 في 33 ولاية، كان 46% من تشخيصات HIV/AIDS بين MSM، إضافةً إلى 4% بين MSM الذين يحقنون المخدرات (MSM & IDU) أي إن فئة MSM بمفردها أو مع حقن المخدرات استحوذت على نحو 50% من التشخيصات في تلك الولايات.

وليس بعيدًا اليوم سماعُ أصواتٍ تُطالب بعلاقاتٍ مع الأطفال وهناك من يقبل الشذوذ ويرفض «البيدوفيليا» رغم تشابه البُنى المعرفية. وقد وُجدت فعلًا جمعياتٌ مثل NAMBLA في أمريكا، لن يتحقق ذلك مجتمعيًّا بين ليلةٍ وضحاها، لكن اتجاهاتُ الإعلام وجماعات الضغط تتزايد، وما حدث في سبعينيات القرن الماضي مع الشذوذ يتكرر ببطء.

“الدفاعُ الشرس عن الشذوذ والدعوةُ إلى تطبيعه في جوهره ليس دعوةً إلى التسامح أو تفهُّم حال الشواذ، بل هو هجومٌ على المعيارية البشرية وعلى كلِّ مرجعيةٍ نهائيةٍ ثابتةٍ يمكن الوقوفُ عليها للحكم على ما هو إنسانيٍّ وغير إنسانيّ.”

عبد الوهاب المسيري – *الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان*

نقد أصول الشذوذ الجنسي

بعدما وضحنا بكم لا بأس به من الدراسات حول التأثير النفسي والمجتمعي والصحي للشذوذ الجنسي، سنحاول أن نتناول تاليًا كيف يمكن تفكيك الأطروحة الشذوذ الجنسي بشكل مبسط، في سبيل إيصال أن لا غاية أو جدوي في سبيل الإتفاق مع هذه الأفكار والممارسات.

المنطق الاستقرائي

من مُسلمات العقل أن (لا يمكن جمعُ نقيضين في شيءٍ واحدٍ في الوقت نفسِه) فلا يصح أن تصف سلوك حاكم ما يإعدام احد السكان بأنه رحمة وفي نفس اللحظة ومع الحالة والشخص نفسه بأنه قسوة، فإما هو رحمة بأن قتل شخص فسد في الأرض وسفط دماء الأبرياء وأراح الناس منه، وأما قسوة بأن قتل شخصاً من الأبرياء وأنه من الطاغين في الأرض. في هذا المثال يتضح أن لا يصحّ أن نصفَ (السلوك المِثلي) وهو الانجذاب لذات الجنس بأنه “طبيعي”، ونصفَ (السلوك الفِطري) وهو الإنجذاب لجنس المغاير بأنه “طبيعي” أيضًا؛ فهما متناقضان تعريفًا. فإما ما تفعله البشرية منذ أن خلقها الله غير طبيعي وإما ما حدث مخالف للعادة غير طبيعي.

قد يُقال هنا “ليس كلُّ غير بديهيٍّ غير منطقيٍّ” وهذا صحيح عموماً، لكن فرق جليّ بين أمر يخرق البداهة ويظل منطقي كما حدث في ميكانيا الكم ضمن حقول العلمية التي لها سمة التغير الدائم في المفاهيم والمعايير التجريبية، وبين أمر فطري، لا تحتاج الى مئات الأبحاث العلمية لتثبت أن الأنجذاب المغاير هو الأصل والطبيعي في بني ادم في حين أن المخالف هو الشذوذ، ولكن على افتراض صحة اسقاطه هنا، سيكون الطرف المؤيد مُطالب بدليلٍ قويٍّ صعبِ الدحض يجعله يخرج مخرج المنطقية بعيدًا عن البداهة، لا بشعارات ودعاية إعلامية، وهذا ما لا يثبته العلمُ حتى الآن على نحو الحتمية.

التفكير التجريدي

إذا حاولنا النظرُ إلى الصورة الكبرى وإلى وظيفةُ السلوك الجنسي في الصورة العامة بدون التطرف الة ى الناحية القيمية أو الأخلاقية سنجد أن الصورة هي التكاثرُ وانتظامُ النوع، الأمر التي جلبت عليه كل الكائنات الحية، بالإضافة أن كلُّ مكوّنات المنظومة البشرية رغم مشاقِّ التربية والتضحية تعمل في تناغمٍ لأجل بقاء النوع، كخلايا تتكاثر ولو اختفت الخليةُ الأولى، وعلى النقيض نجد وظيفةً عامةً للسلوك المثلي على هذا المحور فارغ تماماً.

التفكير الاستراتيجي

من قواعد التفكير الاستراتيجي (خطةٌ سيئةٌ خيرٌ من لا خطة) حيث المرجعياتُ الأخلاقية والعلمية مهما اختلفنا على تفاصيلها تبقى خططًا تنظّم المجتمع، لكن إزالةُ المرجعيات بالكلية تُبقي كلَّ شيءٍ مباحًا: أكلُ لحوم البشر؟ زواجُ الأطفال؟ تغييرُ الهوية والرغبات مع الفصول؟ ما الذي سيحدِّد الطبيعيَّ من الشاذ إذا علّقنا كلَّ معيار؟

التعامل مع الطائفة المعنيّة

بعدما سلطنا الضوء على الجانب الفكري والإعلامي وجب تسليط الضوء على الحاملين لهذه السلوكيات، فمن سوء تعاملنا مع هذه الطائفة هو التعميم المفرط اتجاه كل من نراه قد ينتمي إليهم بدافع الردع من انتشار أو قبول هذه الأفكار، لكن الواقع أن شريحة كبيرة داخل هذه الطائفة أصبحت في هذا الطائفة إما كضحية بيئة ساهمت بهذا منذ الطفولة، أو التعرض المبكر لمحتوى يعزز التطبيع هذه الممارسات أو حتى لأسباب لم تكن داخل نطاق القدرة، لكن حتماً ليس الأمر قدر محتوم أو لا يمكن الفرار منه، فجزء كبير من هذه الأسباب وغيرها يدخل دائرة الإبتلاء والإختبار.

ولهذا من الضروري عند التعامل التفرقة بين هذه الشريحة وبين الشريحة الداعمة لنشر هذه السلوكيات ولا ترى ما هى عليه بأنه خلل أو إبتلاء بل هو حق مشروع واجب على الجميع نصرته، وهؤلاء يكتموا سلوكياتهم ولا يرون أنفسهم طبيعيين، فأما الشريحة الأولى وجب علينا دعمها ومساندتها في تجاوز محنتها ومساعدتها في الصبر والسعي نحو ما يرضى الله، وأنه مهما أخفق في التغيير من نفسه لا يتوقف، كحال أي ذنب أخر يعتاد عليه المرء، والكف عن السخرية مما هم فيه واعتبارهم جزء من تلك الداعمة بالضرورة، أما الشريحة الثانية فتقابل بما يمكن المقابلة به من وسائل الردع والرفض والمنع.

ولعل حلقة طحالب على اليوتيوب خير مثال على إيصال هذه الجزئية:

خاتمة

كلُّ ما سبق يُؤكد لي أن هذا الشذوذ الجنسي سلوكٌ غير طبيعي على كل الأصعدة وليس مجدي لا على المستوى المجتمعي ولا الفردي، فهو يزيل القيم من المجتمع ويفسد على الفرد صحته وأفكاره، هذا فضلاً أنه سلوك لا يرضي الله سبحانه، ومن أصيب بمس به فقد أصابه مرضًا يخضع لمنظور الإبتلاء والاختبار، لذلك لا ينبغي التعاملُ مع أصحابِه بقسوةٍ أو ازدراء بالضرورة، اشمئزُّ من الفكرة والسلوك، لا من الإنسان، المريضُ غالبًا ليس سببَ مرضِه ما لم يشجع الأخرين عليه والقبول به كأمر محبب، احمدِ اللهَ على نعمة الهداية، ولا تتعالَ بها؛ واذكرْ دعاء النبي ﷺ: (يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك).

استشهادات

  1. A genetic study of male sexual orientation
  2. Långström et al. (2010), Genetic and environmental effects on same-sex sexual behavior: A population study of twins in Sweden. Archives of Sexual Behavior.
  3. Xq28
  4. Probing the genomic landscape of human sexuality: a critical systematic review of the literature
  5. A Review of Xq28 and the Effect on Homosexuality
  6. “A Linkage Between DNA Markers on the X Chromosome and Male Sexual Orientation” (1993), by Dean H. Hamer and Charles A. Thomas
  7. The life of the gay gene: from hypothetical genetic marker to social reality
  8. Large-scale GWAS reveals insights into the genetic architecture of same-sex sexual behavior
  9. Massive Study Finds No Single Genetic Cause of Same-Sex Sexual Behavior
  10. Why Reveal The Dark Side Of The Gay Movement?
  11. Pornography Consumption and US Adults’ Attitudes toward Gay Individuals’ Civil Liberties, Moral Judgments of Homosexuality, and Support for Same-Sex Marriage: Mediating and Moderating Factors

“ومن هنا سُمِّي القرآنُ «ذِكْرًا»، لأنه لا يجيء بتعاليمَ مصادمةٍ للفطرة الإنسانية.”

محمد الغزالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *