رسالة “مراتب العلوم” للإمام الكبير ابن حزم من بدائع ما كُتب في فلسفة العلوم، مع أنها صفحات معدودة..
وأجمل ما فيها -عندي- المعنى المتكرر الذي دار حوله علماؤنا الذين ألفوا في هذا الباب، وخلاصته:
- أن العلم يُطلب للعمل.. وهذا هو حد الطلب، فحتى العلوم المفيدة ليس من المطلوب التعمق فيها طالما أن التعمق هذا لا يترتب عليه عمل.
- أن العلم يُطلب أصلا لما فيه من النفع في الآخرة.. ثم في الدنيا! فكل ما ينحرف بالعلم عن هدف النجاة في الآخرة فإن الجهل خير منه! وهذا هو الأمر الذي يحدد أخلاق العلم والعمل وضوابطهما.
- أن العلم في الإسلام مفارق للمنهج الوضعي، وخلاصة المنهج الوضعي أنه يصف الوضع كما هو، من غير أن يرنو إلى هدف أو غاية.. فعلم الأخلاق مثلا ليس هو العلم الذي يستهدف تحسين الأخلاق، بل هو العلم الذي يصف أخلاق الشعوب.. وهذه نتيجة منطقية للعلمانية.
وهاكم عبارتان للإمام من ألذ ما يُقال:
قال في مفارقة المنهج الوضعي:
“وأما إن لم يكن الغرض إلا معرفة الأشياء الحاضرة على ما هي عليه فقط، فطالب هذه العلوم، ومن جعل وكده معرفة صفة البلاد على ما هي عليه، وصفات سكان أهل كل بلدة وما هي عليه صورهم سواء، ومن كان هذا هو غرضه فقط، فهو إلى أن يوصف بالفضول والحماقة أقرب منه إلى أن يوصف بالعلم، إذ حقيقة العلم هو ما قلنا إنه يطلبه لينتفع به طالبه، وينتفع به غيره في داره العاجلة وداره الآجلة التي هي محل قراره ومكان خلوده”
وقال في ختام الرسالة:
“لولا طلب النجاة في الآخرة لما كان لطلب شيء من العلوم معنى، لأنه تعب، وقاطع عن لذات الدنيا المتعجلة من المشارب والمآكل والملاهي والسفاه والاعتلاء واتباع الهوى؛ فلو لم يكن آخرة يؤدي إليها طلب العلوم، لما كان أحد أسوأ حالاً من المشتغل بالعلم”.
وهذا المعنى الأخير خلده الجرجاني في رائعته البديعة التي يقول فيها:
ولم أقضِ حقَّ العلم إن كان كلما .. بدا طمعٌ، صيَّرته لي سُلَّما
أأشقى به غرسا وأجنيه ذِلَّةً .. إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما
أنا تعلمت هذا الكلام من خلال تفكري كثيرًا بهذا الدعاء “اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا” وأذهلني الترتيب والاختصار والحكمة في هذا الدعاء
أتفق معك تماما مع الأخذ في الاعتبار أن بعض مجالات البحث العلمي قد لا تؤدي إلى قيمة مادية أو معنوية مباشرةً ,ولكن مع تراكم العلوم تبدأ البحوث بالإتيان بثمارها
محمد الهامي
