تأخرتٌ في طلب العلم

سؤال متكرر: أنا عمري صار (كذا) ٢٠ – ٢٢ – ٢٤ – ٢٨ – ٣٤ ..إلخ ، وتأخرت في طلب العلم، وأشعر أنه ضاع عمري، وكلما تذكرت تأخري في الطلب أشعر بالإحباط، وأشعر أني لن أصِل!  

الجواب: الحمد لله وبعد ، تشعر أنك لن تصل إلى أين؟ إلى الله والجنة؟ أم إلى رتبة الإمام؟! أو العالم! أو المتخصص! أو الفقيه؟! أو الموسوعي!

كل هؤلاء يسعون إلى الجنة بما يحسنون، وخذ أعلاهم الإمام العالم الراسخ الذي يتمنى كلنا أن يكونه، إن زاغ عن أمر الله وقصد تلك المكانة التي وصل إليها (لنفسها) في طلبه، لعذبه الله ولسعّر به جهنم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ولا يبالي الله بعلمه ورسوخه وموسوعيته ومؤلفاته، ويلقى في النار على وجهه ويقال له: إنما تعلمت ليقال عالم وقد قيل. 

علينا أن ندرك تمام الإدراك أن العلم وسيلة وليس غاية، هو وسيلة للتعبد لله، وسيلة لتحقيق الخشية، وسيلة للوصول إلى الجنة، وسيلة لمرضات الله، وسيلة لمعرفة الله، وسيلة للنجاة يوم الفزع الأكبر  …  

أعرف أناسا متمكنين من علوم الآلة والمقاصد، وبلغوا من العلم مبلغا كبيرا ، قد صاروا حربا على الدين، تحريفا لمفاهيمه، وتقويضا لأصوله، وإبطالا لمقاصده، وإنكارا لحقائقه، حتى ينظر الناظر إليهم فيقول يا رب: أن ألقاك عاميّا محبا لك ولرسولك ، معظما لشرعك، أحل الحلال وأحرم الحرام أحب إليّ من جبال من أمثال علم هؤلاء.

وأعرف أناسا طلبوا العلم واجتهدوا بل وتأخروا كثيرا في الطلب وما بلغوا من العلم ذاك المبلغ البعيد!، لكنك تجد بركة هذا العلم بادية على قلوبهم وجوارحهم، تخشع قلوبهم إذا ذُكر الله

وتجد ما حصلوا من علم -مهما قل- انعكس على طباعهم وأخلاقهم وإيمانهم وأعمالهم، فكساهم الله حلة الوقار، فينظر الناظر إلى أحدهم فيقول في نفسه: اللهم إني أحب عبدك هذا فيك.  أعمالهم مباركة ، يكتب الله لها القَبول، وكلماتهم -وإن تلعثمت- تتلقفها القلوب فتحيا بها، فيكتب الله لكلماتهم أثرا لا يزول إلى يوم الدين، ويبعثون يوم القيامة آمنين مطمئنين، ومنازلهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهم لم يبلغوا تلك المراتب العليا في العلم.  

إني لن أقول إن الرسوخ في العلم ليس مطلبا عظيما وشرعيا، بل هو كذلك، ولن أقول أن من تأخر لا يصل إليه، بل يصل إن وفق لصبر ومنهجية ومثابرة وإخلاص، إنما أقول أن من أعظم ما يفوز به طالب العلم هو أن ينال بالعلم معرفة الله والأنس به والقرب منه والوصول إلى مرضاته ، وتحقيق خشيته المقتضية تقواه حق تقاته، وتقويم أخلاق نفسه، ولسانه وقلبه ، فإذا سعى لهذا فقد وصل وإن تأخر. 


في الختام، كتبت هذه السطور على عجل فلم أقصد فيها الإحاطة بالإجابة ، إنما الإشارة إلى بعض ما يُغفل عنه عادة. وأوصي كل من تأخر في الطلب بل وحتى من لم يتأخر بقراءة كتاب ( ارتياض العلوم (https://t.me/YAQIN_94/510) ) يجد فيه بإذن الله ما يطوي به مراحل الطلب ويجيب على كثير من أسئلته المتعلقة بطلب العلم إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *