ثمّة فرق واضح بين لفظتي “النجاح” و”الفلاح” فالأولى تختلف عن الثانية، وفي القرآن لم يرد لفظ النجاح البتة، بخلاف مشتقات الفلاح التي وردت بكثرة.
تخبرنا المعاجم اللغوية أن النجاح يعني الظفر وإدراك الغاية [المعجم الوسيط]، بينما يشير الفلاح إلى الفوز [المعجم الوسيط]، فالكلمتان –إذًا- متفقتان في الدلالة على الإدراك، إلا أن الفرق بينهما في الاتساع، فأحدهما يغطي الدلالة الماديّة والأخرى تغطي دلالة الدنيا والآخرة، فالفلاح –بحسب الإمام المناوي- “دنيوي وأخروي، فالدنيوي الظفر بالسعادة التي تطيب بها حياتها، والأخروي على أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وعز بلا ذل، وغناء بلا فقر، وعلم بلا جهل” [مادة الفلاح: التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي].
من هنا نستطيع القول: إن النجاح ليس بالضرورة النجاح الذي يقود إلى حسن الختام في الآخرة، فالغاية من النجاح قد تكون دنيوية محضة، فكم رأينا من أناس ملحدين وكفّار وشذاذٍ حقّقوا المراتب العليا والمناصب، {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] فهم بموتهم على حالهم تلك ليسوا من الناجين، فالنجاح -كلّ النّجاح- هو الذي يقودكِ –أختي المؤمنة- للفلاح في الآخرة، وإن أدّى ذلك لخسرانكِ في الدنيا.
ألم تتفكري في كلام المؤذن حين يقول: “حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح”؟ لمَ لمْ يقل “النجاح”، بل قال “الفلاح”، كما أنه ذكر الصلاة قبل الفلاح؛ في دلالة على أن الصلاة الخاشعة سبب مباشر للفلاح -أي الفوز-، ونستذكر هنا ذلك الرجل الذي سأل النبي عن العمل الذي يدخله الجنة بشكل مباشر كما في الحديث (قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك، قال: قل: آمنت بالله، ثم استقم) [أخرجه مسلم، ورقمه 38]، فالإيمان موجب للاستقامة، كما أن الصلاة موجبة للفلاح.
عزيزتي المؤمنة، عليكِ أن تدركي أنكِ لو صعدتِ القمم وأنتِ مقصّرة في دينك، فإنك لن تبلغي الفلاح والفوز العظيم، فإذا وصلتِ لنهاية السباق في ركوب الخيل –مثلاً- ولكن في طريق آخر-ليس طريق السباق الصحيح-، فأنتِ هنا لم تفوزي بل لم تنالي –في الأصل- شرف المحاولة. أما اذا كنتِ في المسار الصحيح، فحتى لو لم تفوزي فقد نلتِ شرف المحاولة، فأنتِ مسؤولة عن السعي لا النتيجة، {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النّجم: 39]
من مقالات موقع السبيل
